البَحْرُ الأَبْيَضُ المُتَوَسِّطُ أو البَحْرُ المُتَوَسِّطُ - وسماه العرب قديمًا بَحْرَ الرُّومِ أو البَحْرَ الشَّامِيَّ - هو بحر متصل بالمحيط الأطلسي وتحيط به منطقة البحر الأبيض المتوسط وهو شبه محاط تمامًا بالبر: من الشمال الأناضول وأوروبا ومن الجنوب شمال أفريقيا ومن الشرق بلاد الشام. البحر من الناحية الفنية جزء من المحيط الأطلسي على الرغم من أنه يوصف عادة باعتباره كيانًا مستقلًا تمامًا.
يغطي البحر الأبيض المتوسط مساحة تقارب 2.5 مليون كيلومتر مربع (965,000 ميل مربع)، ولكن نقطة ارتباطه بالأطلسي (مضيق جبل طارق) هي فقط بعرض 14 كم (8.7 ميل). في علم المحيطات، يطلق عليه أحيانا البحر المتوسط الأوروبي أفريقي أو البحر المتوسط الأوروبي لتمييزه عن البحار المتوسطة في أماكن أخرى من العالم.[2][3] الدول المطلة على البحر المتوسط بترتيب عقارب الساعة هي إسبانيا وفرنسا وموناكو وإيطاليا وسلوفينيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود وألبانيا واليونان وتركيا وسوريا ولبنان وإسرائيل وفلسطين ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، أما دولتا مالطا وقبرص فهما جزيرتان في المتوسط. كما يطل كل من قطاع غزة وإقليمي ما وراء البحار البريطانيان أكروتيري ودكليا وجبل طارق على البحر.
يبلغ وسطي عمق البحر الأبيض المتوسط 1,500 متر (4,900 قدم) حيث أعمق نقطة مسجلة هي 5,267 متر (17,280 قدم) في أعماق كاليبسو في البحر الأيوني.
كان البحر المتوسط عبر التاريخ طريقًا هامًا للتجار والمسافرين من العصور القديمة مما سمح بالتجارة والتبادل الثقافي بين الشعوب الناشئة في حوضه أي في بلاد ما بين النهرين ومصر والفينيقيين وقرطاج والأيبيريين والإغريق والإيليريين وتراقيا والليفانتين ومن بلاد الغال والرومان والعرب والأمازيغ واليهود والسلافيين والثقافات التركية وغيرهم الكثير. يعد دراسة تاريخ منطقة البحر المتوسط أمر بالغ الأهمية لفهم نشأة وتطور العديد من المجتمعات الحديثة. «بالنسبة لثلاثة أرباع الكرة الأرضية، يمثل البحر المتوسط العنصر الموحد لمركز تاريخ العالم.
عرف البحر المتوسط بعدة أسماء خلال التاريخ فعلى سبيل المثال كان الرومان يسمونه "مارِه نوسترُم" أي «بحرنا» بحر الروم. في اللغات الأوروبية يسمى البحر ب«المتوسط» لأنه موجود بين ثلاث قارات وبالتالي فهو يتوسط العالم. يسميه الكتاب المقدس «البحر الكبير» أما بالعبرية الحديثة فيسمى هَيَم هَتِيكُون أي «البحر الأوسط». ويطلق عليه الأتراك «أكدينز» التي تعني البحر الأبيض وذلك لكثرة زبد أمواجه. كان اسمه لدى العرب قديما البحر الشامي (سماه ابن خرداذبة مثلًا «بحر الشام»)[5] أو البحر الرومي (أو بحر الروم[6])، في حين كان يسمّى الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط بحر المغرب.[7] وسمى بهذا الاسم حيث ذكر في اللغة اللاتينية باسم «ميديتيرانيوس» Mediterraneus والتي تعني «في وسط الأرض».
كان لتاريخ البحر المتوسط تأثير عظيم على تاريخ الشعوب المطلة عليه. فهو سهل التجارة بين هذه الشعوب، وكان السبيل نحو بناء المستعمرات، وشاهدا على الكثير من الحروب. كما كان من أساسيات الحياة لما قدمه من طعام عن طريق صيد الأسماك على غابر الأزمان.
المناخ المتشابه والتضاريس والروابط البحرية الموحدة المشترك كل هذه أدت للعديد من الروابط التاريخية والثقافية بين المجتمعات القديمة والحديثة في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط.
تُعد أهم حضارات العصور التقليدية القديمة في المتوسط الحضارتين الإغريقية والفينيقية. وعندما أسس أغسطس الإمبراطورية الرومانية بدأ الرومان بتسمية البحر المتوسط بـ (Mare Nostrum) (أي: «بحرنا»). بعد ذلك بدأت الإمبراطورية بالتفكك، وفي القرن الخامس انهارت روما بعد عام 476 ميلادي. وكان الشرق تحت هيمنة الإمبراطورية البيزنطية التي تشكلت في النصف الشرقي من الإمبراطورية الرومانية. وكانت هناك قوة أخرى صاعدة في الشرق، ألا وهي القوة الإسلامية. في أعظم توسع لها في التاريخ، وقد سيطرت الخلافة الإسلامية على ثلاثة أرباع منطقة البحر الأبيض المتوسط.
في أواخر العصور الوسطى كانت أوروبا تنتعش وأصبحت أكثر تنظيما وبدأت الولايات المركزية بالتشكل، وبعد عصر النهضة في القرن الثاني عشر، وبينما جلبت الحملة الصليبية الرابعة الدمار للإمبراطورية البيزنطية صعدت منافساتها التجارية جنوة والبندقية؛ ومرت طرق التجارة الرئيسية من الشرق عبر الإمبراطورية البيزنطية أو الأراضي العربية، ومنها إلى موانئ جنوة وبيزا والبندقية. حيث استوردت السلع الكمالية من بلاد الشام، مثل التوابل والأصباغ والحرير وبيعت في إيطاليا ثم في جميع أنحاء أوروبا، كما كانت طرق التجارة الإيطالية التي غطت منطقة البحر الأبيض المتوسط وما وراءها أيضًا قنوات رئيسية للثقافة والمعرفة. اتسعت لاحقًا لتصل موانئ الرابطة الهانزية في مناطق بحر البلطيق وشمال أوروبا مما خلق شبكة اقتصادية أوروبية كانت الأولى منذ القرن الرابع الميلادي. في الشرق استمر نمو الدولة العثمانية، وفي عام 1453 سقطت القسطنطينية بيدهم لتنتهي معها الإمبراطورية البيزنطية. إن نمو وزيادة التفوق البحري للدول الأوروبية واجهه المزيد من التوسع السريع للعثمانيين في المنطقة وبسيطرة ا[؟]ا[؟] على الجزائر وانضمامهم إلى أساطيل الدولة العثمانية، أصبحت لهم اليد الطولى في المتوسط، وظل الأمر كذلك حتى معركة ليبانتو عام 1571 بين السلطنة العثمانية وتحالف العصبة المقدسة. لكن الهجمات على السفن ومحاولات السيطرة على البحر وسواحله استمرت. فكانت الأساطيل الفرنسية والإنجليزية والهولندية تضرب السواحل الجنوبية للمتوسط في الجزائر وتونس، وكانت السفن التجارية تُهاجم ويسبي ركابها وملاحوها على يد بحارة شمال افريقيا من إيالات طرابلس والجزائر وبايات تونس المرتبطة بالعثمانيين، إلى جانب بحارة المغرب، وبحلول القرن التاسع عشر، كانت القوى البحرية الإنجليزية والفرنسية والإسبانية تبحر بسلام مقابل جزية، بينما كانت تُستهدف تجارة الدول الأدنى، ومع استقلال أمريكا عن الامبراطورية البريطانية، أخرج البريطان السفن الأمريكية من حماية الأسطول البريطاني، فهاجم وأسر الجزائريون سفنا أمريكية في 1785، ودخلت الولايات المتحدة الوليدة في فترات من مفاوضات واخرى من هجمات على سفنها واسترقاق لركابها من القوى البحرية في شمال إفريقيا؛ حتى أن باشا طرابلس يوسف القره مانلي أعلن الحرب على أمريكا. نظمت الولايات المتحدة حملات عسكرية لكسر القوى التي هاجمتها إلى جانب الدول الغربية الأخرى وفي عام 1815، وصل أسطول أمريكي شواطئ الجزائر مجبرا الباي على التفاوض ومثبتا معاهدة مع الجزائر. وفي ثلاثينات القرن التاسع عشر، احتلت فرنسا الجزائر وأنهت قرون من سيطرة البحارة المسلمين على المتوسط. وقد بدأ تطور النقل البحري في المحيطات يؤثر على البحر الأبيض المتوسط بأكمله، فحالما تمر أي رحلة تجارية من الشرق عبر المنطقة، فانه يغني عن الطواف حول أفريقيا للوصول لموانئ المحيط الأطلسي لأوروبا الغربية لاستيراد التوابل، وغيرها من السلع.